
كتاب: شعرية تاريخ ليبيا
الليبيون مؤسسو الحضارة المصرية
مشاريع: منشورات | محمد عبدالله الترهوني, 2023
إن كتاب “شعرية تاريخ ليبيا” ليس مجرد عملٍ يتناول التاريخ الليبي، بل يشكّل مصدرًا تأسيسيًا لمشروعنا البحثي ودراسةً معمّقة متعددة التخصصات حول تأثير الثقافة الليبية ودورها في تأسيس الحضارة المصرية. وعند الحديث عن “التأسيس”، فإننا نتناوله في مركزه الجوهري، أي الدين، من خلال طبيعة العلاقة بين الحضارة المصرية القديمة والفضاء الغربي الليبي، ولا سيما ما يتصل بالتأثيرات الثقافية والدينية في مرحلة تشكّل الديانة المصرية ضمن سياق تفاعلٍ طويل الأمد بين وادي النيل والمجتمعات الليبية الصحراوية والساحلية.

في كتاب شعرية تاريخ ليبيا، الصادر عام 2023 عن مكتبة طرابلس العالمية للنشر، يطرح الكاتب والناقد محمد عبدالله الترهوني رؤيته عبر عرضٍ وتحليلٍ لنقوش ما قبل الأسرات، وللثقافة الطقسية الجنائزية في المعابد المصرية، مع ربطها بثقافة الصحراء الليبية قبل الهجرة من الأكاكوس وبعدها. ويتضمن الكتاب عددًا من الفصول المحورية، من أبرزها فصل “الأوديسة الليبية”، الذي يناقش فيه الكاتب، بأسلوب نقدي تحليلي، تعمّد تغييب التاريخ الليبي. كما يتناول ليبيا ما قبل التاريخ، ودور المناخ وتغيراته في تشكّل وعي الليبيين القدماء بضرورة الهجرة نحو ضفاف النيل، مشيرًا إلى تراجع نظرية الأصل الآسيوي لمصر لصالح نظرية الأصل الليبي، ومؤكدًا أن الأسس الأولى لمظاهر الحضارة المصرية القديمة قد صيغت في كهوف الصحراء الليبية، وأن ما تلاها لم يكن سوى توسّع لمفاهيم وأفكار ارتبطت بالرسوم الصخرية على جدران الكهوف وجوانب الوديان في تلك الجغرافيا الخصبة رمزيًا. أما الفصل الثاني، والمعنون بـ الليبيون مؤسسو الحضارة المصرية، فيتناول بالتحليل قصة أصل الإله سِتّ وعلاقته بكلٍّ من أوزوريس وحورس، كما يناقش استيطان الليبيين لصعيد مصر قبل ظهور النخبة الحاكمة، وهو استيطان أسهم، بما لا يدع مجالًا للشك، في إحداث تحوّل جذري في نظام الفكر والدين المصريين.
أما الفصل الأخير، المعنون “موت الآلهة القديمة”، فيتناول حضور جماعات التحنو العابرة للصحراء في دلتا النيل، بوصفهم مؤسسي حضارة وادي النيل قبل نحو 5000–6000 عام قبل الميلاد. كما يناقش رقصة المطر وعلاقة الليبيين القدماء بالماء وتقنياته، وصولًا إلى دين الخصوبة. وفي هذا السياق، يحلل الكاتب العلاقة بين الإله الليبي سِتّ وأخيه أوزوريس من خلال تحديد سياق الهوية في الذاكرة الجمعية، والمكان بوصفه لغة حنين إلى الغرب القديم الذي تحوّل، بعد الهجرة، إلى جحيم رمزي.
يسعى الناقد محمد عبدالله الترهوني، في هذا الكتاب، وضمن إطار جغرافي–ثقافي للتفاعل، إلى تفكيك الفكرة التقليدية التي تصوّر ليبيا فضاءً هامشيًا، معزولًا وغريبًا عن ضفاف النيل، كما يؤكد عمق تأثير المعتقدات الصحراوية الليبية في التصورات الدينية المصرية، والدور الرمزي البالغ الأهمية الذي لعبته القبائل الليبية التي انتقلت عبر هجرات متتابعة. ويبرز الكتاب كذلك جذور الآلهة والرموز المرتبطة بالفضاء الليبي وتأثيرها على مستوى الوظيفة الدينية، وصولًا إلى الطقوس والهوية، ثم إلى الدور السياسي في مرحلة تأسيس الدين المصري المبكر.
